ارشيف الذاكرة .. كلية الحقوق .. “نور” اللحجية الجميلة
يمنات
أحمد سيف حاشد
• في سنة أولى من كلية الحقوق كانت “نور” الأكثر جمالا ودهشة بين الجميع.. نور تنتمي لمحافظة لحج.. لم أكن أعلم أن في لحج كل هذا الجمال الغامر، وهذا السحر المبين الذي يملى المحيط ويفيض.. جمالها يسلب الألباب والقلوب، ويجردنا من كل سلاح ومقاومة؛ لنأتي إليها طائعين خانعين مستسلمين.. ما كل هذا الضعف الذي بات يعتريني، ويستولى على كل شيء فيني يا الله.. جمال لا أقوى على تحدّيه، بل لطالما كشف مدى ضعفي وهشاشتي التي باتت لا تحتمل نسمة هواء حتى تخور وتنهار ركاما من حطام..
• أختلس النظرة من نور كلص، وبقلب مرتجف ومرتعش.. أنا أكره أفعال اللصوص يا الله؛ فلماذا تحولني إلى لص رعديد، وأكثر منه غير محترف؟! هذا الجمال الفارط صيرني خائفا ومتميا، وأنا الذي أثور على نفسي على أن أكون جبانا أو ذليلا.. أنا المتيم بنور، وقد صرت مملوكا لها، وعلى وجهي أهيم.. لقد صارت سيدتي ولها فصل الكلام؛ فهل هي تقبل عبوديتي إلى الأبد..
• أعشق الحرية حد الموت، ولكن هذا الجمال المفرط بات يستعبدني.. جمال يمارس الطغيان، حتى حولنّي إلى عبد خائف مرتعد؟! أنا المدموغ بالإنكار، ولكن في حضرة الجمال أعترف، إن جمالها حجة الله الدامغة على وجوده في الأرض الذي يهتز قلبها من شدته..
• أستفتح بها كل صباح.. انتظر قدومها كسفينة نجاة، أو كأسير ينتظر فاتح عظيم.. انتظرها ساعات طوال لاغتنم لحظة في غفلة الزمن المدجج بالعيون؛ لأختلس نظرة تلتاع بشوق كالحريق.. كل العيون ترمقها بجرأة إلا خجلي ينتظرها ساعات طوال ليغتنم لحظة بلمح البصر، وخلسة من رقابة كل العيون.. أشعر أن العيون كلها راصدة، تراقب كل شيء، وتعدم أمامي خلستي الفاشلة في معظم الأحيان..
• عيوني المتعبة تترصد غفلة لتقترب من ملكوت الإله وممالكه.. أنا محب ولست شيطان رجيم.. أريد أن أدونوا وأقترب لاسترق نظرة أو كلمة في غفلة الشهب الحارسة.. أستلهم الوحي والعلم والسر العظيم.. أحاول أعبر ببصري من ثغرة الرعب اللعين في غفلة الحراس، لاسترق سرا من السموات العلى، لأمارس كهانة الحب الجميل..
***
• كنت أجلس بقاعة المحاضرات الرئيسية في أول الصف، فيما كانت نور أغلب الأحيان تجلس آخر الصف أو في مؤخرة القاعة في الاتجاه الآخر.. كنت أحرج أن أجلس آخر الصف، وأشعر بخجل أن أزاحم الهائمين عليها وهم كُثر يتزاحمون.. كان خجلي يحول أن لا أبدو أمام الآخرين طائشا أو مراهقاً يشبه الصبية الغر في التصرفات المتهورة..
• كان الأستاذ إذا سأل الطالب سؤال أو أجاب الطالب على سؤال الأستاذ، وكان موقع الطالب أو الطالبة في الوسط أو المؤخرة، أقتنص الفرصة، وأوهم العيون أنني أهتم بجواب السؤال، فيما أنا في الحقيقة أختلس نظرة عجولة من وجه “نور” كنت أعصر عنقي حتى اسمع الطقطقة، أدور برأسي نحوها كالحلزون؛ لأرمق وأسرق نظرة على حين غفلة من الزمن والعيون..
• كنت شديد الحذر من أن ترمقني أحد الأعين وأنا أصوب سهامي نحو نور، فيما هي مشغولة في دائرة أضيق من الجوار.. كنت شديد الحذر وأنا أتحاشى العيون لأصل إلى عين نور.. حذري من العيون يشبه حذر جندي الهندسة وهو يسير في حقل ملغوم، ومعي بغيتي الباحثة عن نظره من جمال الله وابداعه في نور أودعه.. إنها نظرة عاشق ولع كتوم.
• نور اختفت فجاءة ولا أدري أين ذهبت!! لم تعد تأتي إلى الكلية كل صباح.. نور غادرت الكلية للأبد، ولكن لا أدري إلى أين!! نور كانت الجمال والدهشة كلها .. نور على نور ونار.. قبس من سر ووحي عظيم.. معجزة لا يأتي بمثلها إلا الرحمن الرحيم..
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.